هي حركة فكرية تتخذ من مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة قاعدة أساسية لها. وتهدف إلى تغيير نظرة المجتمعات للمرأة. تجتمع تحت رايتها العديد من الحركات المتنوعة غير المتجانسة التي تناضل من أجل تحقيق المساواة الحقيقية في الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والجنسية والاجتماعية بين الرجل والمرأة من خلال الأفعال والأفكار. في السطور التالية نستعرض تاريخ الحركة النسوية وخصائصها وأهم أهداف الحركة النسوية بمزيد من التفصيل.
مفهوم النسوية
النسوية هي نظرية اجتماعية وسياسية تطمح إلى تغيير الطريقة التي تنظر بها المجتمعات إلى النساء كأفراد في المجتمع. وهي فلسفة تحاول الكشف عن السمات الذكورية للمجتمعات المختلفة، أي تلك المجتمعات التي تظهر فيها الهيمنة التقليدية للذكور على الإناث. تضم هذه الفلسفة في طياتها مجموعات متنوعة من الحركات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والاقتصادية والجنسية، هدفهم المشترك والأساسي هو الكفاح لتحرير المرأة وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة والقضاء على كافة أشكال التمييز القائم على أساس الجنس.
النسوية لا تقترح مجتمعاً بدون رجال، ولا تهدف إلى خضوع الرجال لسلطة المرأة، إلا أن هذا لا يعني أن هناك العديد من الحركات النسوية الراديكالية أو المتطرفة التي تهدف لذلك، لكن لا ينبغي الحكم على مجمل الحركات وفقاً لهذا الأمر.
تاريخ النسوية
تعرضت النساء في العديد من الفترات التاريخية إلى التهميش، وكان ينظر إليها باعتبارها أحد ممتلكات الرجل. ومع ذلك، كان هناك العديد من المفكرات اللاواتي حاولن تقديم أفكارهن للمجتمع، ومن المتعارف عليه أن ممارسة العمل الفكري والأدبي كان مقتصراً على الرجال. ومن هنا حاولت بعض النساء المتحررات نشر كتابتهن بأسماء مستعارة، حتى جاء عصر التنوير الفرنسي في القرن الثامن عشر. وكانت البداية الحقيقية للفكر النسوي، وخصوصاً بعد نشر الكاتبة والفيلسوفة الإنجليزية ماري ولستونكرافت كتاب تحت عنوان “دفاعاً عن حقوق المرأة” في عام 1792. تناولت فيه ولستونكرافت فكرة حق المرأة في التعليم.
في تلك الفترة كان الاختلاف بين الجنسين وأدوارهما التقليدية في المجتمع موجوداً بالفعل. فالرجل يهتم بالعمل والفكر، والمرأة تهتم بالأسرة والأعمال المنزلية. لكن مع التغييرات الكبيرة التي أحدثتها الثورة الفرنسية عام 1789 انتهى هذا النظام وظهر الفكر النسوي. ومنذ ذلك الوقت بدأ تاريخ الحركة النسوية.
أهداف الحركة النسوية
أهم أهداف الحركة النسوية
يعد العقل هو الأداة المشتركة لجميع البشر، لذا كان بمثابة المبدأ العالمي الذي يمكن أن يمتثل إليه الجميع. وفي عصر التنوير الأوروبي اتخذت الفلسفة والفكر من العقل مرشداً لها لمواجهة ثقل التقاليد والتعصب العقائدي لبعض القطاعات الدينية. ومن هنا أدركت النساء أن الفرصة سانحة للمطالبة بحقوقهن وأدوارهن التي تتواقف مع العقل. لذا نادت النسوية بجميع حركاتها بمبدأ العقل كوسيلة لإلغاء القهر والعنف ضد المرأة.
التمسك بمبدأ الحرية الفردية
أحد أهم أهداف الحركة النسوية الحرية الفردية. فإذا كانت الحرية حق عالمي، فلا يمكن أن تكون مشروطة بنوع الجنس. تم الاحتجاج بهذا المبدأ لأول مرة في القرن الثامن عشر دون أخذ المرأة في الاعتبار. لكن أدركت النسوية وفهمت أنه في مجتمع تتحقق فيه المساواة لا يمكن أن يكون هناك إعاقة للحق في الاختيار الحر، وتنمية شخصية الفرد وممارسة الحقوق المدنية والسياسية على أساس الجنس أو أي عنصر آخر غريب عن العقل والأخلاق.
الدفاع عن الحقوق
إن التفكير في مكانة المرأة في المجتمع أقدم بكثير من الحركة النسوية كحركة، لكنها لم تكن أكثر من تذكار للمظالم. فمنذ أن بدأت الحركة في التعبير أصبحت وسيلة للدفاع عن حقوق المرأة وحريتها وكرامتها الإنسانية والحصول عليها.
بناء المعرفة
لم تولد النسوية حركات ناشطة فحسب، بل طورت أيضاً إطاراً نظرياً معقداً. بينما توضح النظريات المختلفة التي طورتها الحركة النسوية صراعات المرأة وإمكانياتها، فضلاً عن إلحاح الاعتراف بحقوقها. بالإضافة إلى ذلك، ساعدت الحركة النسوية في بلورة تشخيص للواقع الاجتماعي وتحديد مجموعة من المفاهيم الضرورية اليوم لفهم التغيرات في الاتجاه التاريخي. وبهذا المعنى، فإن أهم أهداف الحركة النسوية تبني المعرفة. وقد اشتمل الفكر النسوي على اثنين من المفاهيم الأساسية هما مفهوم الأبوية ومفهوم الجنس. دعونا نلقي نظرة على كل واحد على حدة.
مفهوم النظام الأبوي
تستند النسوية على تعريف واستنكار فكرة الأبوية. ومن خلال هذا المفهوم تلمح النسوية إلى المعايير والطرق التي مورست بها السلطة تاريخياً في المجتمع. وترى أن العالم منظم على أساس السلطة الذكورية، والتي تعتبر طبيعية لحالتهم البيولوجية لأنها تمثل القوة والحماية في الأزمنة البعيدة. وهكذا أصبح ترتيب الأسرة، حيث يمثل الأب الرأس، صورة للعالم الاجتماعي. ومن هيمنة النظام الأبوي يستمد تجنيس سلسلة من العوامل التي تخلق الاضطهاد والفقر بين النساء، مثل:
أجور أقل لنفس العمل.
حجز أفضل الوظائف للرجال.
تقديم الوظائف منخفضة الأجور أو غير مدفوعة الأجر (مثل الأعمال المنزلية) للنساء.
استخدام رموز الجنس الموجهة كلياً لمتعة الذكور.
تجنيس العنف الجنساني.
تجنس لغة المذكر كمقياس للإنسانية (مثل استخدام كلمة “رجال” للإشارة إلى “الإنسانية”).
مفهوم الجنس
ساعدت النظريات النسوية على فهم واحدة من أكثر الظواهر تعقيداً في التجربة الإنسانية. وذلك من خلال التشكيك في أدوار الجنسين، أي توزيع المهام وفقاً “للنظام البيولوجي”. كما فتحت النسوية التفكير في مفهوم الجندر ذاته. وهكذا، كان من الممكن أن نفهم أن فكرة الجندر هي بناء ثقافي وليست طبيعية. أي أنه لا يوجد سبب بيولوجي يبرر عدم قيام الرجال بالأعمال المنزلية أو عدم ذهاب النساء إلى العمل. والسبب في ذلك تاريخي وثقافي، وليس بيولوجياً أو طبيعياً.
ومع ذلك، هناك اختلافات بيولوجية. لذا تميز النظريات بين الجنس المحدد بيولوجياً والمفهوم الاجتماعي القائم على النوع. ومن هذه المقترحات نشأت العديد من الدراسات الاجتماعية والنفسية التي تتناول التنوع الجنسي وبناء الهويات. كما نشأت مجالات أخرى مثل الدراسات المتعلقة بالذكورة. فإذا كان الدور المنوط تاريخياً بالمرأة بحاجة إلى إعادة النظر، فيجب أيضاً مراجعة فكرة الذكورة، والتي بموجبها يتم تمثيل الذكر على أنه كائن بلا مشاعر وعنيف بطبيعته.
أنواع الحركات النسوية
أهم الحركات النسوية
إن وضع المرأة في العالم ليس فقط غير متكافئ مع الرجل، بل هناك أيضاً اختلافات واضحة في معاملة النساء على أساس العرق أو الطبقة الاجتماعية أو الدين أو التوجه الجنسي حتى في أكثر المجتمعات ليبرالية. ولهذا السبب، ظهرت العديد من الحركات الفكرية النسوية التي تسعى إلى إثبات كل سيناريوهات النضال التي يجب أن تواجهها المرأة لتصبح حرة تماماً. ومن بين الحركات النسوية العديدة الحالية، يمكننا أن نذكر ما يلي.
النسوية الفلسفية
جزء من المنهج الفلسفي المعاصر للتفكير في مفهوم المرأة ودورها، بهدف فهم الأسباب النهائية لحالة التبعية في النظام الاجتماعي وأنماط التحول في ذلك الواقع.
النسوية الليبرالية
تسعى إلى إثبات قدرات المرأة التي تم تقليص قيمتها تقليدياً، أو تم إعاقتها من خلال الممارسة القانونية، لذا فإن الغرض منها هو تحقيق قوانين وأنظمة شاملة تضمن تكافؤ الفرص.
النسوية الاشتراكية
تدرس علاقات القوة، وخاصة الاقتصادية منها، في تكريس نماذج الاضطهاد تجاه المرأة. مفتاح تحليلها هو تصنيفات الأبوية والرأسمالية.
النسوية ما بعد الاستعمار
تعكس نطاق وأنماط النظام الأبوي في المخطط الثقافي للدول غير الغربية، حيث تلعب بقاء العقلية المستعمرة والعنصرية والتطرف وعدم المساواة الاجتماعية دوراً حاسماً.
النسوية السوداء
تدرس وتحاول اتخاذ إجراءات فيما يتعلق بعلاقة العنصرية الخاصة بإدامة التحيز الجنسي ونماذج الاضطهاد تجاه المرأة.
رائدات الحركة النسوية
ظهر على مدار تاريخ الحركة النسوية العديد من الأصوات التي تنادي بالمساواة بين الرجل والمرأة، وسعت هذه الأصوات إلى الحصول على حقوق المرأة كاملة مثل حق التعليم والعمل وغيرها من الحقوق. ومنهن من ساهمن بشكل أو بأخر في تطور الحركة النسوية على مدار التاريخ. ومن هنا نستعرض بعض من أهم رائدات هذه الحركة.
ماري ولستونكرافت
ولدت في إنجلترا في القرن الثامن عشر، وبرزت ككاتبة وفيلسوفة. اشتهرت بكونها واحدة من أوائل النساء اللواتي استطعن العيش بشكل مستقل بفضل عملها. كانت مؤلفة كتاب “دفاعاً عن حقوق المرأة” الذي ذكرت فيه أن الفروق الاجتماعية بين الرجل والمرأة لا تنبع من الطبيعة البيولوجية ولكن من عدم المساواة في التعليم والحقوق.
أوليمب دي جوج
ولدت في فرنسا في القرن الثامن عشر، وكانت كاتبة مسرحية وفيلسوفة وسياسية. دعت أوليمب إلى إلغاء عقوبة الإعدام من أجل القضاء على القوانين المخالفة للأخلاق والفضيلة، كما دعت إلى إلغاء العبودية. وقد كلفها إعلانها لحقوق المرأة والمواطن حياتها. حيث قطعت رأسها على المقصلة على يد الجيروندان.
فرجينيا وولف
ولدت في إنجلترا عام 1882 وهي واحدة من أبرز الكتاب الإنجليز، وممثلة للحداثة في تيارها الأنجلو ساكسوني. كما تعد شخصية بارزة في الحركة النسوية. ويعتبر مقالها “غرفة تخص المرء وحده” أحد أهم البيانات المتعلقة بمشاركة المرأة في مجتمع مصمم للرجال، مع الإشارة بشكل خاص إلى العالم الأدبي. وفي المقال، تتأمل فيرجينيا وولف في وضع المرأة ككاتبة وما تحتاجه لتكون قادرة على التنافس على قدم المساواة مع الرجل.
سيمون دي بوفوار
ولدت في فرنسا عام 1908 وهي فيلسوفة وكاتبة ومعلمة، التزمت طوال حياتها بالقضية النسوية والنضال من أجل حقوق الإنسان. ويعد كتابها “الجنس الثاني” مرجعاً أساسياً للنسوية، وهي تتناول فيه قضايا المرأة من منظور وجودي.