جون وايكلف (1320- 1384) كان إنجليزيًا ومستشارًا لاهوتيًا لملك انجلترا، هاجم سلطة البابا المطلقة، ومبدأ الاستحالة الجوهرية في الافخارستيا (العشاء الرباني). أعظم إسهاماته كان ترجمة الكتاب المقدس إلى اللغة الإنجليزية الدارجة. ثارت الكنيسة عليه بسبب ذلك ومنعت نشر الكتاب لاحقًا. آمن بأن سلطة الكتاب المقدس هي فوق كل سلطة أخرى. بعد موته أدين بالهرطقة، وأحرقت كتبه بل وحتى عظامه أخرجت من القبر وأحرقت بأمر من البابا. تكمن أهمية ويكليف في أنه يعتبر من جون هس أبرز المصلحين قبل الإصلاح البروتستانتي.
ولد اجون وايكليف بين سنتي 1320م و1328م في إحدى قرى مقاطعة يوركشير (Yorkshire) شمال شرقي أنجلترا. ويعدّ ويكليف واحدًا من أهمّ مفكّري العصور الوسطى فقد كان مصلحًا بروتستانتيًّا ومترجمًا.
أضحى كاهنًا منذ 1351م وأمضى القسط الأكبر من حياته في أكسفورد حيث التحق بجامعتها ليدرس الفلسفة والمنطق واللاهوت. وفي سنة 1372 حاز درجة الدكتوراه في اللاهوت. وترأّس كلّية باليول سنة 1361م بجامعة أكسفورد ودرّس فيها الفلسفة واللاهوت منذ سنة 1372. وحظي بشهرة واسعة أهّلته لأن يكون عضوًا في بعثة دبلوماسيّة أرسلها الملك إدوارد الثالث لمفاوضة مندوبي البابا غريغوري الحادي عشر حول مسائل خلافيّة. هاجم سلطة البابا المطلقة، ولم يتردّد في تحرير دفاع عن حقوق التاج الإنجليزي ضدّ هذه السلطة حين طلب منه ذلك بناء على تمكّنه من القانونين الكنسي والمدني الانجليزي.
بيد أنّ انتشار أفكاره لم يكن دائمًا محلّ ترحاب خاصة حين تهجّم على السلطات الطقوسيّة للكنيسة، ودعا إلى شيوع الملكيّة بين الناس وتخلّي الكنيسة عن جميع ممتلكاتها ورفع يدها عن الحكم وشؤون الساسة والانصراف إلى أمور العبادة والاعتقاد. وقد اعتبر تمرّد الفلاحين سنة 1381م واحتجاجهم على الأداءات الضريبيّة شكلاً من أشكال التأثّر بأفكار ويكليف وهو ما أدّى إلى عرض عدد من هذه الأفكار على مجمع لندن الذي قضى بإدانة أربع وعشرين قضيّة استخلصت من كتاباته ومنها خاصة تصوّره للقربان المقدّس وكان لهذه الإدانة أثرها البالغ في حياة ويكليف فقد تقرّر فصله من جامعة أكسفورد ليعتزل بأبرشيّته في لاتروورث، وفيها كتب باللاتينيّة كتابه “الحوار الثلاثي بين الحقيقة والكذب والحصافة” سنة 1382م.
كانت آراء ويكلف تحوي كل عناصر الإصلاح الكبيرة، تحوي انهماك رجال الدين في متاع الدنيا، والدعوة إلى إتباع قانون أخلاقي شديد صارم، والعودة من الكنيسة إلى ما جاء في الكتاب المقدس، ومن توما الأكيوني إلى أوغسطين، ومن حرية الإرادة إلى الجبرية، ومن النجاة عن طريق العمل الصالح إلى النجاة باختيار الرحمة الإلهية. وكانت هذه الآراء تحوي كذلك رفض صكوك الغفران، والاعتراف السري للقسيس، وعقيدة التجسد، وأن القس واسطة بين الله والعبد، وتحتج على إرسال الثروة القومية إلى روما، ودعوة الدولة إلى نبذ طاعة البابوية، والهجوم على أملاك رجال الدين (وبذلك مهد الطريق لهنري الثامن). ولو لم تقض الثورة الكبرى على حماية الحكومة لجهود ويكلف، لتأصل الإصلاح الديني وعلت قواعده في إنجلترا قبل أن تشب ثورة الإصلاح في ألمانيا بمائة وثلاثين عاماً.
لم تنشر مؤلفاته إلاّ في فترة متأخرة بعد أن تعهّد بذلك عدد من المهتمين بفكره من خلال جمعيّة أطلقوا عليها اسمه “جمعيّة ويكليف”. فتمّ جمع هذه المؤلفات وتحقيقها ونشرها ونذكر منها: “خلاصة الوجود”، “في المنطق”، “أفعال النفس”، “الوجود الكلّي”، “إرادة الله”، “المادة والصورة”، “الخلاصة اللاهوتيّة”، “في السلطة البابويّة”، “في حقيقة الكتاب المقدّس”، “في الكنيسة”..