يواجه البعض صعوبة في فهم هذا النص من الممكن أن تؤدي بهم إلى التشكيك في صحة الكتاب المقدس، عندما لا يجدون النبوة الخاصة بالمسيح في كتابات العهد القديم، والتي ذكرها البشير متى في إنجيله ” لكي يتم ما قيل بالانبياء انه سيدعى ناصرياً”
وللرد نقول…….
متى البشير لم يقل أن هناك نُبوة مُحددة تقول أنه يُدعى ناصرياً، ولكن يقول أن هناك مفهوم نبوات عام بأنه يُدعى ناصرياً ، ولهذا لم يقل (قيل بالنبي)، أو (كما هو مكتوب) ولم يُحَدد نبياً بالاسم، ولكنه يقول (قيل بالأنبياء) بصيغة الجمع لأن الكلام إتمام نبوات كثيرة، وليس كلام نبي واحد، أي أن الأنبياء قد تنبأوا أن المسيا (سيدعى ناصرياً). وهذا من دقة وحي الكتاب المقدس، فنبوة ( المسيح الناصري) جاءت مرات عديدة في العهد القديم، إما أنها نبوات لأنبياء تنبأوا ولكن لم يشأ الوحي أن يسجل نبواتهم مكتوبة كالعديد من الأنبياء مثل: النبي جاد (2صم11:24) , والنبي ناثان (2صم2:7) ,والنبي أخيا (1مل29:11) ,والنبي ياهو (1مل7:16) ,والنبي إيليا (1مل18) ,والنبي أليشع (2مل2).
فمن الممكن أن يكون الروح القدس قد أوحى إلى متى البشير بتلك النبوات كما في مثال رسالة يهوذا 15،14 ” وَتَنَبَّأَ عَنْ هؤُلاَءِ أَيْضًا أَخْنُوخُ السَّابعُ مِنْ آدَمَ قَائِلاً:«هُوَذَا قَدْ جَاءَ الرَّبُّ فِي رَبَوَاتِ قِدِّيسِيهِ، لِيَصْنَعَ دَيْنُونَةً عَلَى الْجَمِيعِ، وَيُعَاقِبَ جَمِيعَ فُجَّارِهِمْ عَلَى جَمِيعِ أَعْمَالِ فُجُورِهِمِ الَّتِي فَجَرُوا بِهَا، وَعَلَى جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الصَّعْبَةِ الَّتِي تَكَلَّمَ بِهَا عَلَيْهِ خُطَاةٌ فُجَّارٌ».” أو أنها نبوات جاءت في كتب العهد القديم، وهذا ما سوف نذكره بالتفصيل. إذن يجب أولاً أن نفهم معني كلمة “ناصري” ثم كلمة “الناصرة.
(أ) كلمة الناصرة باليونانية Ναζαρέτ وتُنطق (نازاريت) هي اسم مذكر علم لمدينة من الجليل مشهورة بأنها بيت الرب يسوع في اثناء طفولته وحتى بدأ خدمته العامة. تم ترجمتها ونقلها من الكلمة العبرية נָצְרַת وتٌنطق (ناتسرَت). أما الكلمة Ναζωραῖος وتُنطق (نازورايوس) فهي اسم مذكر مفرد في حالة الفاعل بمعنى “ناصري أو من سكان الناصرة”. وهكذا دُعي المسيح ناصرياً في (مت71:26 ، مر24:1 ، 47:10 ، 67:14 ، 6:16 ، لو34:4 ، 37:18 ، 19:24 ، يو5:18 ، 7:18 ، وفي العنوان على الصليب 19:19 ، أع22:2 ، 6:3 ، 10:4، 14:6 ، 8:22، 9:26).
والناصرة هي قرية في منطقة الجليل، وكانت موطن يوسف ومريم العذراء والرب يسوع. وكانت على الدوام قرية صغيرة منعزلة، فلا تُذكر مطلقاً في العهد القديم، ولا في التلمود، ولا في كتابات يوسيفوس المؤرخ اليهودي. ولم تكتسب الناصرة شهرة إلا بعد أحداث العهد الجديد. ففي الناصرة قبلت مريم بشارة الملاك (لو26:1-38)، وفيها قضى يسوع حياته قبل الخدمة العلنية (لو39:2 ، 51-52 ، مت23:2)، وفيها بدأ أيضاً خدمته العلنية (مت13:4، مر9:1) بحيث سُمي نبيّ الناصرة (مت11:21 ، أع 38:11)، وفي بداية خدمة يسوع العلنية لم يقبل أهل الناصرة كرازة يسوع وأرادوا أن يلقوه من أعلى الجبل (لو16:4-30).
وكلمة )ناصري (Ναζωραῖος تُشتق من كلمة )الناصرة Ναζαρέτ) كما يُشتق (جليلي) من كلمة (الجليل) راجع (مت69:26 ، أع7:22).
ونظراً لموقع الناصرة الجغرافي حيث تقع في المنطقة الجبلية في الجليل الجنوبي عند تقاطع طرق القوافل التجارية الهامة، فقد اتخذتها الدولة الرومانية من ضمن مراكز المعسكرات الهامة، مما جعل الناصرة مٌحتقرة وذات سُمعة سيئة من كثيرين من اليهود، ولعل هذا ما جعل نثنائيل يقول قوله الشهير: ” أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟” (يو46:1). وعندما دافع نقيوديموس عن السيد المسيح، أجابوا وقالوا له : “أَلَعَلَّكَ أَنْتَ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ؟ فَتِّشْ وَانْظُرْ! إِنَّهُ لَمْ يَقُمْ نَبِيٌّ مِنَ الْجَلِيلِ” (يو52:7).
كان هناك دائمًا شعور بعدم الارتياح تجاه هذه القرية. وأصبح اسم “ناصري” مرادفًا للإنسان المتواضع والجاهل وغير المثقف. وتم اتهام الرسول بولس في أعمال الرسل 24: 5 بأنه زعيم هذه المجموعة المشاغبة من أهل الناصرة. “فَإِنَّنَا إِذْ وَجَدْنَا هذَا الرَّجُلَ (بولس) مُفْسِدًا وَمُهَيِّجَ فِتْنَةٍ بَيْنَ جَمِيعِ الْيَهُودِ الَّذِينَ فِي الْمَسْكُونَةِ، وَمِقْدَامَ شِيعَةِ النَّاصِرِيِّينَ”
(ب) كما ذكرنا آنفاً أن كلمة الناصرة تم ترجمتها ونقلها من الكلمة العبرية נָצְרַת، والكلمة اليونانية ليس لها معنى ولا دلالة سوى أنها اسم بلدة، ولكن في العبرية لها معنى ودلالة كبيرة، فالأساس في هذا الموضوع هو الأصل العبري.
الكلمة נָצְרַת(ناتسرَت) تأتي من الجذر נצר (نتسر) بمعنى (غصن أو فرع نبات). تُستخدم في (إش 11: 1) للإشارة إلى خادم الرب، والفرع الذي سيحكم في المملكة المسيانية هو يأتي من جذر عائلة يسى النسل الملوكي المختار في إسرائيل. وتشير لإسرائيل كلها كفرع الرب لاستعادة الحالة البارة في (إش 60: 21). أيضاً تعني شخص كفرع من خط عائلة (إش 14: 19)، وكحفيد يأتي من نسل شخص كما في (دا 11: 7).
هناك أيضاً كلمة צמח تٌنطق (تسمح) وهي بمعنى (غصن أو برعم) وهي بديلة لكلمة נצר (نتسر) كغصن وأيضا لها نفس المعنى ولكن ليس اللفظ. وترتبط بالصورة النبوية المسيانية צמח דוד غصن داود.
وناصري أي الرجل الغصن، وبالفعل وصف مدينة الناصرة هي مدينة معزولة كفرع صغير فوق جبل ولهذا لقبت غالباً بهذا الاسم، ولكن ما يهمنا أن كلمة الناصرة باليونانية Ναζαρέτ(نازورايوس) تعني لفظياً נצר (نتسر) في العبري. فلو وجدنا نبوة في العهد القديم عن נצר (نتسر) الغصن أو الفرع تكون تتكلم عن الناصري. وبالفعل نجد كلمة נצר و צמח في نبوات واضحة عن الرب يسوع المسيح في العديد من كتباتات الأنبياء كما ذكر متى “لكي يتم ما قيل بالانبياء”، كما سنذكر من نبوات الأنبياء (إشعياء، إرمياء، زكريا) كما يلي:
هنا النبوة تتكلم عن الخارج من نسل يسي يكون غصن او فرع من اصله. وهذه لوحدها تكفي وبخاصة أن بعض الرابيين اليهود القدامى قدموا شرح لنص (إش1:11) قالوا أنها عن المسيا المنتظر وبعضهم قال أن اسمه سيكون ناصري.
(النص العبري) ועמך כלם צדיקים לעולם יירשׁו ארץ נצר מטעו מעשׂה ידי להתפאר
هنا النبوة يفسرها بعض الرابيين على أنها عن زمن المسيا، ويمكن تفسيرها في ضوء العهد الجديد على أنها الكنيسة – أي المؤمنين يكونوا أبرار- في المسيح الذي هو الغصن.
وقالوا عنها اليهود أن من أسماء المسيا سيكون الغصن أو الفرع צֶמַח (معنى وليس لفظ אִישׁ צֶמַח الرجل الغصن) أي الناصري נצרי
ولهذا كان التعبير الكتابي دقيق جداً عندما قال (لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِالأَنْبِيَاءِ) لأنه لو كتب بالنبي لكان لدينا اشكالية، لكنه كتب بالأنبياء لأنهم كثيرين الذين تنبؤا عن الغصن فقد تنبأ بهذا كل من الأنبياء (إشعياء، إرمياء، زكريا)
وأيضاً متى كتب بشارته أولاً بالعبرية فكان واضحاً لليهود ماذا يقصد بكلمة נָצְרַת ، وتمت ترجمة الإنجيل إلى اليونانية مع الإبقاء على ترجمة كلمة נָצְרַת لفظاً Ναζαρέτ وليس معنى צֶמַח ، لأن معناها معروف لليهود.
والعديد من آباء الكنيسة أيدوا هذا الرأي ومنهم القديس جيروم الذي كان خبيراً بالعبرية واليونانية واللاتينية وهوالذي ترجم العهد القديم من العبرية إلى اللاتينية، وهو الذي قال أن “ناصرياً” تعني “الغصن” كما في (إش1:11).
هذا وقد دُعي الرب يسوع المسيح بالغصن للسببين التاليين: أولاً، لأن الغصن مرتبط بالأصل، فمع أن المسيح رب داود لكنه من نسله، مرتبط به حسب الجسد. ثانياً، صار بالحقيقة إنسانًا ينمو كالغصن.
وبسبب ذهاب المسيح إلى الناصرة لأول مرَّة أخذ لقب (ناصري). وكانت النبوات قد أشارت إلى ذلك، على أساس أن تكون هذه التسمية نوعاً من الاحتقار، لأن الناصرة كانت مدينة مٌحتقرة ووضيعة في نظر اليهود (راجع يو 46:1). وحتى تلاميذ المسيح كانوا محتقرين بسبب تبعيتهم للناصري (أع 5:24). ومن هذه الدلالة أخذ متى أيضاً نبوات الأنبياء عن أن المسيا الآتي سيكون مٌحتَقر ومتضع كما جاء في (مزمور6:22-8؛ 21،20،8:69 ؛ إشعياء:7:49؛ 4:50-6؛ 14:52؛ 53؛ ميخا1:5؛ زكريا 12:11؛ 10:12) ليؤكد تطابقها على الرب يسوع المسيح الذي جاء من الناصرة. فهو لم يسكن في بيت لحم مدينة داود، ولا في أورشليم مدينة الملك العظيم، بل في الناصرة المٌحتقرة. لذا، فإن البلدة التي تربى بها يسوع أدت إلى إتمام مثل هذه النبوات، لأن يسوع أُعتبر بدون منزلة رفيعة في العالم المحيط.
والبشير متى في إنجيلة يقدم لنا يسوع المسيح كمتمم لكل نبوات (ناصري) لفظاً ومعنى فهو غصن الرب، وغصن البر، وغصن داود، وهو أيضاً الناصري المسيا المُحتقر والمرذول.