وُلد “كاري” في عام 1761 بالقرب من “نورثامبتون” Northampton بإنجلترا، وكان ابنًا لنساج يعمل على نول في بيت العائلة. كانت الحياة بسيطة وغير معقدة. وفي تلك الفترة كانت الثورة الصناعية بدأت لتوها في استبدال الصناعات المنزلية البسيطة بمصانع النسيج التي تتصف بالقذارة والضوضاء. أمضى “كاري” طفولته بشكل معتاد فيما عدا ما واجهه من مشكلات دائمة مع الحساسية والتي أعاقته عن السعي لتحقيق حلمه بأن يصير بستانيًا. لكنه بدلًا من ذلك تلقى تدريبًا، وهو في عمر السادسة عشر، ليكون صانع أحذية واستمر في تلك المهنة حتى بلغ العام الثامن والعشرين من عمره. اهتدى “كاري” إلى الإيمان نتيجة لتأثير زميل له في التدريب المهني، ومن وقتها فصاعدًا صار مرتبطًا بشدة بالمنشقين من المعمدانيين Baptist Dissenters، مكرسًا وقت راحته لدراسة الكتاب المقدس والقيام بالخدمة العلمانية.
في عام 1781، وقبل أن يبلغ عيد ميلاده العشرين، تزوج “كاري” من أخت زوجة معلمه، “دوروثي” Dorothy وكانت تكبره بما يزيد عن خمسة أعوام، ومثل الكثير من النساء الإنجليز في القرن الثامن عشر ممن ينتمين إلى طبقتها الاجتماعية، كانت تجهل القراءة والكتابة. منذ البداية كان هذا الزواج ارتباطًا غير متكافئ، وبمرور الوقت واتساع آفاق “كاري”، اتسعت الفجوة التي تفصلهما أكثر فأكثر. وقد امتلأت السنوات المبكرة من زواجهما بالصعوبات والفقر. ولكن بالرغم من المصاعب المالية، فإن “كاري” لم يتراجع عن دراسته وعظاته التي كان يقوم بها إلى جانب عمله، إذ خدم كراعٍ لكنيستين معمدانيتين صغيرتين للغاية مع استمراره في عمله كصانع أحذية. وخلال تلك السنوات التي قضاها في الرعاية، بدأت فلسفة الإرسالية الخاصة به تتبلور، وقد انطلقت الشرارة الأولى لها نتيجة لقراءته كتاب “رحلات كابتن كوك” Captain Cook’s Voyages ولكنه عندما كوَّن نظرة كتابية في هذا الموضوع، صار مقتنعًا بأن العمل المرسلي كان هو المسئولية المركزية للكنيسة.
واستنادًا على بعض التعاليم الإصلاحية، اعتقد الكثير من رجال الكنيسة في القرن الثامن عشر بأن المأمورية العظمى قد مُنحت فقط للرسل، ومن ثم فإن العمل على تبشير “الأمم” لم يكن أمرًا يشغل اهتمامهم، خاصةً لو لم يكن مرتبطًا بالجهود الاستعمارية. عندما عرض “كاري” أفكاره أمام مجموعة من الخدام، قيل إن أحدهم صرخ: “أيها الشاب، اجلس. عندما يُسر الله بأن يهدي الأمم، فسوف يقوم بذلك دون مساعدة منك أو مني.” بيد أن “كاري” ما كان ليصمت. ففي ربيع 1792 نشر كتابًا من سبع وثمانين صفحة كان له عواقب بالغة في تأثيره على الإرساليات المسيحية.
الكتيب الذي جاء تحت عنوان “بحث في التزام المسيحيين باستخدام السبل للكرازة للأمم” An Enquiry Into The Obligation of Christians to Use Means for the Conversion of the Heathens، قدم باقتدار كبير الحجة على ضرورة الإرساليات العالمية وسعى لدحض الحجج التي تضخم من المزاعم بعدم جدوى إرسال مرسلين إلى أراضٍ بعيدة.
لم يكن خروج “كاري” للعمل المرسلي أمرًا سهلًا، فكان الأمر يلقى اعتراضًا من زوجته، وما زاد الأمر تعقيدًا إعلان فرنسا الحرب على إنجلترا. وفي النهاية بعد أحداث كثيرة، وصل “كاري” إلى الهند في 19 نوفمبر 1793. وهناك عاشت العائلة في ظروف قاسية، تحيط بهم مستنقعات الملاريا، وكانت النتيجة إصابة زوجته وابنيها الأكبرين.
فانتقل إلى شمال الهند على بُعد ثلاثمائة ميل، وعمل “كاري” كرئيس للعمال في مصنع الصبغة النيلية. ورغم ذلك استمرت المشاكل العائلية، ومات ابنهما بيتر عن عمر 5 سنوات.
تفاقمت المشاكل الأسرية نتيجة إصابة زوجته بأوهام عقلية أن زوجها يخونها. هذه الظروف أضرّت كثيرًا بـ”كاري” ولكنها لم تعطل “كاري” عن خدمته، فأسس في عام 1819 كلية لتدريب زارعي كنائس وكارزين محليين.
وفي عام 1807 توفيت زوجته، وبعدها بشهور ارتبط بالليدي تشارلوت رومر، ورغم معارضة الكثيرين من المرسلين تم الزفاف في مايو 1808، واستمر هذا الزواج لمدة ثلاث عشر سنة، وكان زواجًا سعيدًا.
توفي “كاري” في 1834 تاركًا تركة رائعة، فبالإضافة إلى الكرازة والتعليم والترجمة، ركّز على القضايا الاجتماعية وتحديدًا صراعه الطويل ضد حرق الأرامل ووأد الأطفال. جدير بالذكر أن أول شخص هندوسي اهتدى إلى المسيحية كان بواسطة “وليم كاري” بعد مرور سبعة أعوام من وصوله إلى الهند.