Description

وُلد تيار دي شاردان في 1 مايو 1881 في فرنسا، وقد ربته أمه تربية دينية وأعطاه والده بفضل ثقافته الواسعة وحب الطبيعة اللتين اتصف بهما، تلك الروح الوضعية في النظر إلى الكون ومختلف أطواره. وفي 1899، انتسب إلى الرهبانية اليسوعية، وفي سنة 1905 أُرسل إلى القاهرة ليعلم الكيمياء والفيزياء في مدرسة العائلة المقدسة بالفجالة وتمت رسامته الكهنوتية سنة 1914.
نظرية تيار دي شاردان للتطور تتجاوز المفهوم البيولوجي البحت لتشمل الكون بأسره، من المادة الجامدة إلى الوعي البشري، وحتى ما وراء ذلك. يمكن تلخيص نظريته في عدة مفاهيم رئيسية:
قانون التعقيد والوعي. هذا هو حجر الزاوية في فكره. يرى تيار دي شاردان أن الكون ليس مجرد كتلة من المادة تتحرك عشوائيًا، بل هو في عملية تطورية مستمرة ومدفوعة نحو تعقيد متزايد، وهذا التعقيد يقابله ارتفاع في مستوى الوعي.
من المادة إلى الحياة: بدأ التطور بالمادة الجامدة (الجيوسفير). مع تزايد التعقيد في تركيب الذرات والجزيئات، ظهرت الحياة (البيوسفير) على كوكب الأرض.
من الحياة إلى الوعي: داخل البيوسفير، ومع تزايد تعقيد الكائنات الحية (خاصة الجهاز العصبي)، ظهر الوعي تدريجيًا، ووصل إلى ذروته في الإنسان، حيث ظهر الوعي الذاتي (النيوسفير – Noosphere).
النيوسفير: هي واحدة من أهم مفاهيمه. يصف النيوسفير بـ”طبقة التفكير” أو “الغلاف الفكري” الذي يحيط بالأرض، فوق البيوسفير (غلاف الحياة) والجيوسفير (غلاف الأرض الجامد). إنها الشبكة العالمية للأفكار، المعارف، الثقافات، والاختراعات التي تنتجها البشرية وتشاركها. يرى تيار دي شاردان أن البشرية، من خلال تواصلها وتبادل المعرفة، تُشكل وعيًا جماعيًا يتطور باستمرار.
نقطة أوميجا: هذه هي قمة نظرية تيار دي شاردان وهدف التطور النهائي. يرى تيار أن التطور لا يتوقف عند ظهور الإنسان، بل يستمر في التقارب نحو نقطة نهائية من التكامل والوعي المطلق، يسميها نقطة أوميجا.
خصائص نقطة أوميجا: هي نقطة جذب وتركيز للوعي المتزايد في النيوسفير. يصفها بأنها نقطة تتميز بأعلى درجات الوعي، الوجود، المركزية، والاستقلال.
الجانب اللاهوتي: في سياقه المسيحي، يربط تيار دي شاردان نقطة أوميجا بـ المسيح الكوني (Cosmic Christ)، الذي يمثل نقطة اكتمال الكون وتوحيده، حيث يصبح كل الوعي والإدراك متكاملًا وموحدًا في كيان إلهي. يرى أن المسيح ليس مجرد شخصية تاريخية، بل هو مبدأ كوني يُوجه التطور نحو غايته النهائية.
عملية التوحيد والتقارب: يرى تيار دي شاردان أن التطور ليس مجرد تفرع وتنوع، بل هو أيضًا عملية تقارب وتوحيد. فبعد التنوع الهائل في أشكال الحياة، بدأت الكائنات الأكثر تعقيدًا في التفاعل والتجمع (مثل المجتمعات البشرية)، مما يؤدي إلى وعي جماعي أكبر. هذا التقارب هو الذي يوجه الكون نحو نقطة أوميجا.
الطاقة الموجهة: “الطاقة المشعة” و”الطاقة العرضية” يميّز تيار دي شاردان بين نوعين من الطاقة التي تدفع التطور:
الطاقة العرضية (Tangential Energy): هي الطاقة التي تدفع المادة نحو التنوع والتشتت، وتخلق أشكالًا جديدة.
الطاقة المشعة (Radial Energy): هي الطاقة الداخلية، الروحية، التي تدفع الكائنات نحو التعقيد والوعي والتوحد مع بعضها البعض ومع نقطة أوميجا. يرى أن هذه الطاقة المشعة هي القوة الدافعة الحقيقية وراء التطور نحو الوعي والروحانية.
دمج العلم واللاهوت: كان هدف تيار دي شاردان الأساسي هو إظهار أن التطور ليس عملية مادية بحتة وعشوائية تتعارض مع الإيمان، بل هو عملية ذات هدف وغائية، تقودها قوة روحية، وتتجه نحو اكتمال كوني. لقد سعى لتقديم رؤية شاملة للكون حيث تتكامل العلوم الطبيعية مع التجربة الروحية في إطار تطوري متسق.
تُعد نظرية تيار دي شاردان جريئة ومثيرة للجدل، وقد واجهت انتقادات من كل من الدوائر العلمية واللاهوتية. ومع ذلك، لا يزال فكره يؤثر في مجالات متعددة من الفلسفة، اللاهوت، وعلم البيئة، ويقدم رؤية فريدة لمستقبل الوعي البشري والكون.
المرجع: ملخصة عن كتاب الإنسان والكون والتطور بين العلم والدين: الأب هنري بولاد اليسوعي

Gallery

Add Review & Rate

Be the first to review “نظرية تيار دي شاردان في تطور المخلوقات”