الموضوع

ترددتُ كثيرًا قبل البدء في تناول هذه القضية الشائكة وخاصةً أنني من مؤيدي الاستقرار الأسري، وأنادي دائمًا بحياة السلام وسط الأسرة. فكيف بعد هذا أقدم بحثًا عن قضية تناقش إمكانية التفكك الأسري؟!

ولكن ما شجعني على هذه الخطوة هو نفس السبب الذي لأجله ترددت في كتابة هذا البحث، وهو خدمتي وسط الأسرة والذي اكتشفتُ من خلاله مآسي أسرية لا حل لها سوى الانفصال، فالبعض يعيشون تحت سقف واحد لكنهم لم يصبحوا جسدًا واحدًا بعد، والبعض قرروا الانفصال الفعلي لكن دون اللجوء لمحكمة الأسرة تجنبًا لمشوار طويل دون جدوى بسبب قانون الأحوال الشخصية للأقباط الذي وضعته الكنيسة والذي يقضي بعدم الطلاق إلا لسبب الزنا، والبعض قرروا اللجوء للمحكمة على أمل الحصول على حريتهم وقد استنزفت هذه الخطوة سنوات من عمرهم؛ منهم مَنْ حصل على طلاق مدني، لكنه محروم من أن يبدأ حياته مرة أخرى وفرصة ثانية له، لأن هذا الطلاق غير معترف به من الكنيسة، ومنهم مَنْ لا يزال ينتظر حكم المحكمة. وهناك فئة أخرى قررت أن تقوم بتزوير أوراق تغيير ملة، وآخرون كانوا أكثر جراءةً وقرروا ترك المسيحية ليس عن اقتناع، لكن لينالوا حريتهم ليس ألا، ناقمين على الكنيسة بل على المسيحية التي حكمت عليهم بالسجن حتى الموت في علاقة مؤذية.

هذا بجانب أنه قبل البدء في كتابة هذا البحث قالت لي زوجة منفصلة: “يا ترى ممكن البحث ده يحل مشكلتي ولا هافضل كده متمرمطة في المحاكم وعمري بيضيع مني بدون ما أعيش زيي زي أي واحدة ليها أسرة ومبسوطة؟”
ولوهلة بعد أن سمعتُ هذه الجملة قررتُ التوقف عن الاستمرار في البحث بسبب هذا السؤال، حيث أصابني الإحباط خاصةً أنني قرأتُ عدة كتب وأبحاث تناولت هذا الموضوع كُتّابها من كبار الباحثين مثل الدكتور القس فايز فارس، الدكتور القس إكرام لمعي، القس سامي حنين… وغيرهم من الأساتذة الذين ناقشوا هذه القضية ومع ذلك لم يتغير موقف الكنيسة حول قضية الطلاق وظلت كما هي. فهل بعد كل هؤلاء الباحثين من الممكن أن تهتز شعرة من مسئولي وضع قانون الأحوال الشخصية بالطائفة الإنجيلية بعد قراءة البحث الذي أنوي إعداده، هذا إن اهتم من الأساس أحدهم وقام بقراءته وتحليله؟!

ظلت أسئلة مثل هذه الأسئلة المحبطة ترن في ذهني، لكنني قررتُ المحاولة والاستمرار فيه، على الأقل يكفيني شرف المحاولة والتكلم بالنيابة عن هؤلاء المنكوبين بزيجات مؤذية والذين تملَّكهم اليأس واستسلموا لمصيرهم ليس عن اقتناع بل وهم بلا حول ولا قوة وليس في أيديهم أي حل يلجأون إليه، خاصةً إن كانوا من محدودي الدخل وغير قادرين على الدفع بالآلاف للحصول على الطلاق بطرق ملتوية.

وبعد قراءة الدراسات التي تم طرحها حول قضية الطلاق، قررتُ عدم التطرق
إليها فقط من الناحية الكتابية لأن هذه النقطة تناولها مَنْ سبقوني بإسهاب، لكنني سوف أتطرق إلى هذا الموضوع من الناحية النفسية ومن حيث السلوكيات الشاذة ومدى أضرارها على الحياة الزوجية، بالإضافة للتطرق للأضرار التي تصيب الأطفال الموجودين وسط أسرة مفككة وخلافات مستمرة بسبب عدم قدرتهم على الترك، أو لأنهم يعيشون حياة الانفصال المقيَّد.

وصلاتي أن يكون هذا البحث خطوة تساعد الكنيسة على استيعاب المشكلة وليس مجرد كلمات مكتوبة كما كان الحال مع أساتذتي الذين سبق وتناولوا هذه القضية.

 

صور

اضافة صورة وتعليق

كن أول من يكتب مشاركة "الطلاق ما بين قيود التدين وحرية الإنسان"