الموضوع

هي حالة من الجمود الفكري يتعصب فيها الشخص لأفكاره الخاصة، حتى إنه يرفض الاطلاع على الأفكار المخالفة. وإن ظهرت له دلائل تُثبت خطأ أفكاره، حاربها بقوة لإثبات صحة أفكاره وآرائه رغم إدراكه عدم صحتها. وتُعد الدوجمائية حالة شديدة من التعصب للأفكار والمبادئ والقناعات، يمكن أن تصل حد معاداة كل ما يختلف عنها. وهي أيضًا حالة من التزمُّت لفكرة معينة من مجموعةٍ دون قبول النقاش فيها أو الإتيان بأي دليل يناقضها لأجل مناقشته، وكانت هذه الحالة تُدعى لدى الإغريق الجمود الفكري، ومن مظاهرها التشدد في الاعتقاد الديني أو المبدأ الأيديولوجي، أو الاعتقاد بموضوع لا يُسمح فيه بالنقاش أو الشك.
يعود أصل الكلمة دوجما إلى اليونانية δόγμα، والتي تعني «الرأي» أو «المعتقد الأوحد». تمثل الاستبدادية والمعصومية والدمجية أو اللادحضية (الزعم بأن قولًا معينًا غير قابل للدحض بتاتًا)، والقبول الخانع (من قبل الملتزمين) واللاشكية لب فكرة التَّعسُّفيّة. إن هذه الأفكار تستدعي عادةً الانتقاد من قبل المعتدلين والمنفتحين. ولذلك تستخدم كلمة التَّعسُّفيّة غالبًا للإشارة إلى عقيدة أو مبدأ لديه مشكلة الزعم بالحقيقة المطلقة، كما أن من سمات التَّعسُّفيّة هي القطع برأي أو معتقد بغض النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع، وهو ما يسمى في اللغة العربية بـ«التعسف». تستخدم كلمة التَّعسُّفيّة، أيضًا، لوصف الرأي غير المدعوم ببراهين.
والدوجماطيقة ليست مذهبًا فلسفيًا أو دينيًا، وإنما هي -في أكثر معانيها انتشارًا- سمة وطريقة تفكير تتسم بها أي فرقة أو مذهب أو فلسفة تزعم امتلاك الحقيقة المطلقة بشكل شامل، ولا تقر بأنها قد تحتمل شيئًا من الخطأ أو النقص، وتقطع بأن ما تحوزه من معارف ومعتقدات لا يقبل النقاش ولا التغيير، حتى وإن تغيرت الظروف التاريخية، أو السياقات المكانية والاجتماعية؛ فهي إذن مقدسة ومنزهة عن أي نقد، وعدم إخضاع هذه المعتقدات لفحص نقدي أو تحليلي يراجع الأسس التي تقوم عليها، ودون بحث في حدود وقدرات العقل المعرفية، فضلًا عن عدم تمحيص الطرق التي توصل إلى المعرفة الصحيحة في كل لحظة تاريخية.
ونشير هنا إلى أن “مذهب الشك” الذي يزعم بشكل يقيني أن المعرفة غير ممكنة مطلقًا يمثل دوجماطيقية سلبية؛ أي هي القفاز نفسه .. مقلوبًا.
وتعد فلسفات بارمنيدس وأفلاطون وأرسطو والمدرسة الأفلوطينية الجديدة نماذج جيدة للفلسفة الدوجماطيقية بامتياز.
وفي العصور الوسطى، نجد معظم فلاسفة المدارس الفكرية وعلماء اللاهوت مثل أوغسطين وتوما الأكويني. أما في العصور الحديثة، فتتمثل الفلسفات الدوجماطيقية في الفلسفات العقلية في القرنين السابع عشر والثامن عشر، مثل فلسفة ديكارت، وأيضًا بسكال، ومالبرانش، وإسبينوزا، وليبنتز؛ فكثير من أطروحاتهم تتسم بالدوجماطيقية. وقد اعتبر كانط أن فولف Wolff أكبر الفلاسفة الدوجماطيقيين جميعًا.
المراجع
 منير البعلبكي؛ رمزي البعلبكي (2008). المورد الحديث: قاموس إنكليزي عربي  (ط. 1). بيروت:دار العلم للملايين. ص. 363
 أحمد زكي بدوي (1982)، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية: إنكليزي – فرنسي – عربي  (ط. 2)، بيروت: مكتبة لبنان ناشرون، ص. 116
محمد عثمان الخشت، أستاذ بقسم الفلسفة – جامعة القاهرة – مصر. دراسة.

صور

اضافة صورة وتعليق

كن أول من يكتب مشاركة "الدوجمائية Dogmatism"