Description

 كلير سميث
يَدَّعي اللاهوت النسويُّ المطالبة بالمساواة والعدل والتحرُّر للنساء ممَّا يرتئيه بـأنَّه أنظمة السلطويَّة الذكوريَّة الجائرة وهيمنتهم الدينيَّة.
اللاهوت النسويُّ لاهوتٌ ودراسات كتابيَّة تُجرى باختلاق منهجيَّات ونظريَّات تفسيريَّة نسويَّة. لاهوتٌ يُطالب بالمساواة والعدل والتحرُّر للنساء ممَّا يرتئيه أنظمة سلطويَّة وهيمنة أبويَّة أو بمركزيَّة ذكوريَّة قد شَكَّلَت الكنيسة وتاريخ ترجمة الكتاب المقدَّس وتفسيره، بل الكتاب المقدَّس نفسه. لاهوتٌ لا يعتدُّ، كما المعهود، بالكتاب المقدَّس كلمة الله ذات السُلطان الموحى بها من الروح القدس. إنَّه ليس لاهوتًا واحدًا، إنَّما عدَّة لاهوتيَّات نسويَّة، كلٌّ منها تعكس بيئات تاريخيَّة وثقافيَّة وعالميَّة مختلفة، باستخدام التحليل التشابكيِّ (أو التحليل متعدِّد الجوانب) تحديدًا. فيسعى اللاهوت النسويُّ، كما المظلَّة الكُبرى “حركة النسويَّة”، نحو التغيير الثوريِّ، وقد بلغت تأثيراتهما مدًّا بعيدًا موفِّران السياق للخدمة الكرازيَّة المعاصرة.
نظرة عامَّة على اللاهوت النسويِّ
قد تطوَّر اللاهوت النسويُّ إبَّان تطوُّر النسويَّة العَلمَانيَّة وبحوار معها أيضًا. ومع إنَّ كلمة “نسويَّة” قد توحي بفكر أو حركة متجانسة شاملة، فهي أكثر من مجرَّد مظلَّة مُصطَلحيَّة لكثير من المفاهيم النسويَّة التي تستخدم منهجيَّات متباينة وتتناول اهتمامات مختلفة وتدافع عن وجهات نظر مغايرة، بل بعضهم يتَّسم بالحصريَّة. فالأمر كذلك “للاَّهوت النسويِّ” الذي هو ليس واحدًا، إنَّما كُثُر، فكلٌّ منهم شَبَّ برأسه من بيئات تاريخيَّة وثقافيَّة وعالميَّة مختلفة. فهذه الحالة من التغيُّر المستمرِّ والتنوُّع سمة خاصَّة للنسويَّة الحاليَّة واللاهوت النسويِّ، ويُنظَر إليها بإيجابيَّة لأنَّها تعكس الالتزامات الفكريَّة النسويَّة.[1]
إنَّ اللاهوت النسويَّ ليس لاهوتًا ودراسات كتابيَّة تقدِّمهم النساء، إنَّما لاهوت ودراسات كتابيَّة تختلق عديدًا من المنهجيَّات ونظريَّات التفسير النسويَّة. ففي العموم هو لاهوتٌ، نسويٌّ، يسعى إلى المساواة وصلاح معيشة النساء بمقاومة ما يرتئيه أنظمة سلطويَّة وهيمنة وإقصاء أبويَّة أو ذكوريَّة المركز وتفكيكهم.
يؤمن لاهوتيُّو النسويَّة بأنَّ أنظمة السلطويَّة الذكوريَّة وامتيازاتها هذه قد شَكَّلَت تاريخ الكنيسة وتاريخ التفسير الكتابيِّ المتوارث -وربَّما بلغ محتوى الكتاب المقدَّس نفسه (بأنَّه كتاب بشريُّ المنشأ والغاية)- وقد نتج عنه قهر النساء وإخراسهنَّ وإقصائهنَّ، بل برَّر ذلك في كلِّ مناحي الحياة لا سيَّما الكنيسة. وفي سعيه إلى تحرُّر النساء من هذه الأنظمة، تغذَّى اللاهوت النسويُّ بل عادةً يُعدُّ أحد أشكال اللاهوت التحرُّريِّ.
التشابكيَّة
في السنوات الأخيرة، توسَّعت مراكز اهتمام لاهوتيِّي النسويَّة ومنهجيَّاتهم من مجرَّد التركيز على المرأة والعلاقات المرتبطة بالنوع الاجتماعيِّ لتشمل التأثيرات المُرَكَّبَة للهويَّة الإناسيَّة والعِرقيَّة والطبقة الاجتماعيَّة والهويَّة الجنسيَّة والقدرات الإناسيَّة والعجز الإناسيِّ، وإنسان ما بعد الاستعمار، وكلُّ ما يرتؤونه مُحرِّكات السلطويَّة وكسب الامتيازات واحتكارها. لذا الطبيعة المترابطة والمتداخلة لهذه الفئات المجتمعيَّة تُعرف بمصطلح “التشابكيَّة”. فالتحليل التشابكيُّ يسعى إلى تحديد وتقويض الطريقة التي بها مختلف تجارب التهميش ومحرِّكاتها تتشابك ومضاعفة التأثيرات المؤذيَّة لكلٍّ منها. وهذا من صفات حركتي النسويَّة الثالثة والرابعة.
والآن، يتَشَعَّبُ اللاهوت النسويُّ بشبكة واسعة من المناهج ووجهات النظر التي تعكس مختلف تجارب النساء حول العالم؛ من أبرزها لاهوت الإفريقيَّات الأمريكيَّات (womanist theology)، ولاهوت اللاتينيَّات الأمريكيَّات (mujerista theology)، ولاهوت الكوريَّات (minjung feminist theology)، ولاهوت المنبوذات الهنديَّات (dalit feminist theology)، ولاهوت الإفريقيَّات والأسيويَّات، ولاهوت نساء ما بعد الاستعمار، ولاهوت ذوات الهمم، ولاهوت مجتمعات الميم عين،[2] لا سيَّما مُغايرات الهويَّة الجنسيَّة (عضويًّا ذكور).
النسويَّة الإنجيليَّة أو الكتابيَّة (السوائيَّة)
مُنذ سبعينيَّات القرن العشرين، يسعى بعض الإنجيليِّين إلى فرض الفكر النسويِّ على دراسة الأسفار المقدَّسة والممارسات الكنسيَّة. فبدؤوا بتشكيل كيان “العُقَادُ النسويُّ الإنجيليُّ (عنا)” (Evangelical Women’s Caucus “EWC”) الذي في نهاية المطاف قد انقسم عام 1986 على مسألة المثليَّة الجنسيَّة، وشكَّلوا كيان “العُقَادُ النسويُّ الإنجيليُّ ومسيحيُّون من أجل المساواة الكتابيَّة (ممك)” (CBE) -فالكيان الأوَّل يدعم المثليَّة الجنسيَّة أمَّا الثاني يرفضها. والآن “عنا” متماشية مع اللاهوت النسويِّ التحرُّريِّ.
يعترف النسويُّون الإنجيليُّون بسُلطان الكتاب المقدَّس كونه وحيًا إلهيًّا. لكن مع ذلك، ولأسباب عِدَّة، لا يقبلون بتعليم الكتاب المقدَّس بوجود مهام ومسؤوليَّات للرجال مختلفة عن التي للنساء في العائلة والكنيسة، ويتحاجُّون على النقيض بأنَّ هذه الاختلافات لم تعد قائمة اليوم. فهم يسعون خلف مهام واحدة للرجال والنساء عامةً وفي الزواج تحديدًا.
اللغة اللاهوتيَّة
يُعدُّ نقد اللغة عاملاً مهمًّا في هذا التغيُّر الثوريِّ. فمعظم اللاهوتيِّين النسويِّين يعِدُّون لغة الذكوريَّة للاهوت الكتاب المقدَّس والتحيُّز الذكوريِّ البارز في اللغة اللاهوتيَّة المتوارثة معضلة إذ يؤمنون بالتالي: “إذا كان الله ذكرًا، فالذَكَر هو الله”.[6]
وفي حالة أشدِّ تعصُّبًا، يستخدم بعض لاهوتيِّي النسويَّة صيغتي “G*d” أو “الله/الإلهة أو الله الأنثى” أو “صوفيا” عوضًا عن لفظة “الله” التي يعتقدون أنَّها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بصورة الله الأبويَّة الذكوريَّة؛ وكذلك صيغتي “the*logy” أو “thealogy” بدلاً من “Theology” إذ إنَّ في الأصل اليونانيِّ مقطع theo اسم مذكَّر؛ وthea الصيغة المؤنَّثة منه) .ونسويُّون آخرون يستخدمون كلاًّ من الصيغتين المذكَّرة والمؤنَّثة لأسماء الله وضمائره وصوره، أو يستخدمون الصيغ محايدة النوع الاجتماعيِّ في اللغة الإنجليزيَّة مثل (Creator, Redeemer, & Sustainer) إنَّ إعادة تسمية الله أو تصوُّره يُعَدُّ مشروعًا محوريًّا للاَّهوت النسويِّ، كما أنَّ هذه التغيُّرات اللغويَّة تعكس هجرًا بارزًا للعقيدة المسيحيَّة التاريخيَّة.
وعلى نحو أقلِّ تعصُّبًا، قد تبنَّت بعض أبرز الترجمات الإنجليزيَّة للكتاب المقدَّس نهج الهويَّة الاجتماعيَّة الشموليَّة أو الهويَّة الاجتماعيَّة المحايدة، إذ كلاهما بهدف ترجمة اللغات الأصليَّة إلى الإنجليزيَّة المعاصرة على نحو أكثر دقَّة، ولمسايرة التغييرات التي طرأت على اللغة التي هي نتاج حركة النسويَّة. لكنَّ مبادئ الترجمة الصحيحة، لا سيَّما ترجمة الكتاب المقدَّس، مبادئ معقَّدة، لكنَّ بعض تلك الترجمات النسويَّة اتَّسمت بضعف الموثوقيَّة عن غيرها، إذ ضحَّت بالدقَّة من أجل التبسيط أو الابتعاد عن التأذِّي.[7]
بغضِّ النظر عن كون القناعات النسويَّة مقبولة، إنَّ التغييرات التي أحدثتها النسويَّة في لغة اليوم مخصَّصة لترجمات الكتاب المقدَّس والوعظ والتأمُّل اللاهوتيِّ. فعلى سبيل المثال، في حين أنَّ الترجمة الإنجليزيَّة القياسيَّة للكتاب المقدَّس (ESV) تبقى على الضمائر المُذَكَّرَةِ العامَّة لكنَّها أيضًا تنوِّه في التذييل إلى أنَّ الكلمة اليونانيَّة “أدِلفوي” (المُتَرجمة إلى “إخوة” في النصِّ الأساسيِّ) قد تشير في العهد الجديد إلى “الرجال أو كلٍّ من الرجال والنساء” الذين هم إخوة وأخوات في عائلة الله أي “الكنيسة” بحسب السياق. وعليه، على الرغم من عدم تبديل الترجمة الإنجليزيَّة القياسيَّة كلمة “إخوة” إلى “إخوة وأخوات” في النصِّ الأساسيِّ) راجع الترجمة الدوليَّة الحديثةNIV ، 2011)، يظلُّ ذلك التنويه في التذييل اعترافًا بكلٍّ من تأثير النسويَّة في المعنى اللغويِّ وفي قرَّاء الترجمة الإنجليزيَّة القياسيَّة.
وقفة مع اللاهوت النسويِّ
إنَّ هذه التغييرات في لغة اليوم برهان على التأثيرات العميقة للنسويَّة. إذ إنَّ المنطق الاستهلاليَّ للاَّهوت النسويِّ -بأنَّ الكنيسة والكتاب المقدَّس وحتَّى إله الكتاب المقدَّس كارهون للمرأة، بل يؤذونها- قد قبله عديدون إن لم يكن أغلبيَّة شعوب العالم الغربيِّ. وعليه، تُعدُّ المقاومة أو العداء تجاه الإنجيل الكتابيِّ والمسيحيَّة التاريخيَّة أداة معظم الجهود في الكرازة والإرساليَّة والتأثير في العامَّة من المسيحيِّين في حياتهم اليوميَّة.
إنَّ معظم الطوائف قد واجهت مناظرات عن رسامة المرأة وخدمات النساء، فمنهم من أقرَّ بصوابيَّة أساس المبادئ النسويَّة وتفسيراتها الكتابيَّة. وحتَّى داخل الطوائف التي لم تُغَيِّر أنظمتها التدبيريَّة والإداريَّة، داخلها كنائس فرديَّة وعائلات كاملة تجدهم منقسمين حيال دور النساء في البيت والكنيسة. لذا يُعَدُّ فهم اللاهوت النسويِّ وتأثيراته ضروريٌّ لخدمة مؤثِّرة في كلِّ البيئات الثقافيَّة.
مع ذلك، توجد تشاركات بين المسيحيِّين الكتابيِّين ولاهوتيِّي النسويَّة. على سبيل المثال، المعتقدات أو الممارسات التي تحطُّ من كرامة النساء وقدرها (مثل الأجور غير المتساوية، والإباحيَّة، والعنف المنزليِّ، والتحرُّش الجنسيِّ) لا بُدَّ أن يلفظها المسيحيُّون الكتابيُّون كما يلفظها لاهوتيُّو النسويَّة، حتَّى وإن لم نتَّفق على السبب الأوَّليِّ، أو الحلول، لهذه المشكلات.
يكمن داخل لُبِّ كلٍّ من اللاهوت النسويِّ واللاهوت الكتابيِّ سؤال يقول: ما الإنجيل؟ تتمثَّل الإجابة النسويَّة في إنَّ هذا الإنجيل مجموعة من الأحاديث البشريَّة الخرافيَّة أو على أقصى تقدير غير واقعيَّة لا بُدَّ من تشذيبها وقراءتها بتفسير شكوكيٍّ إن لم تكن في صالح النساء. أمَّا إجابة الكتاب المقدَّس نفسه تتمثَّل في أنَّ الأسفار المقدَّسة كلمة الله الحيِّ الحقيقيِّ واهبة الحياة ذات السلطان الموحى بها من الروح (2 تيموثاوس 3: 16)، وبينما الكنيسة تخطئ فالكتاب المقدَّس ليس كذلك، لا يُخطِئ.

Gallery

Add Review & Rate

Be the first to review “اللاهوت النسويِّ”