الموضوع

فريدريش دانييل شلايرماخر Friedrich Schleiermacher (1768-1834م)، فيلسوف واللاهوتي ألماني من عائلة بروتستانتية. تعلم بالمدرسة الإكليريكية للإخوة المورافيين في باربي وكان شديد الانزعاج من انضباط هذه المدرسة. ودرس في جامعة هال من سنة 1787م إلى سنة 1789م ولم يخف تبرمه وضيقه من عقلانيتها، وهو ما أدخله في متاهة وحيرة انتهتا به إلى انتباذ العقائد الدينية كافة واعتبار كل تدخل للعقل في مجال الإيمان نوعًا من الانحراف. ومع ذلك، اجتاز في سنة 1790 م ببرلين الامتحان اللاهوتي لختام الدراسة ورسم قسًا، ثم عين واعظًا مساعدًا 1794م فمرشدًا روحيًا 1796م في مستشفى المحبة ببرلين.
كان لاهوتيًا ألمانيًا ليبراليًا أصيلًا، وعالمًا في الكتاب المقدس. كانت له محاولات جادة للتوفيق ما بين حركة التنوير والبروتستانتية.
عاش شليرماخر، المصلح اللاهوتي البرتستانتي، في عصر جري فيه انتقاد الدين نقدًا لاذعًا. وهو الزمن الذي عبر عنه إيمانويل كانط في تمهيده للطبعة الأولى لكتابه “نقد العقل المحض” عندما قال: “إن قرننا الحالي هو قرن النقد الذي ينبغي أن يخضع له كل شيء. يحاول الدين عبثًا بقدسيته التملص من هذا الانتقاد. لكنه بهذه المحاولة إنما يثير المزيد من الشكوك المشروعة فيه، ويحرمه من نيل التقدير المناسب من العقل، الذي لا يمنح ذلك التقدير إلا لمن استطاع أن يصمد أمام امتحانه الحر والعلني”.
وهكذا شدد خطاب شليرماخر على أن الدين لا يمكن أن يُفهم إلا في إطار الإيمان والتسليم والتصديق للحقائق الدينية التي نسفها العلم الحديث بعقلانيته المفرطة. فكان عمله الاستثنائي موجهًا إلى النخبة المثقفة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي نخبة احتقرت الدين ورأت فيه عاملًا متخلفًا يكرس الإنسان للعبودية، في حين أن تلك النخبة المثقفة نفسها قدست العقل وبجَّلت الاستدلالات المنطقية، وجعلتها ملاذًا للانعتاق والحرية والفهم الحر. وقد كان لآراء شليرماخر في ذلك العمل، تأثيرًا عميقًا في سورين كيركيغارد الذي سيكون له لاحقًا تأثير بالغ في المجتمع الغربي.
هذا ويرى كثيرون أن شليرماخر هو أبو علم اللاهوت الحديث نظرًا إلى إسهاماته العميقة في تطور النقد العالي وعلم التأويل.
في حين يحسبه بعضهم الزعيم المبكر للمسيحية الليبرالية. وذاع صيته نتيجة كتابه –”خُطب في الدين” في عام 1799م، الذي أثار سجالًا واسعًا تولى شليرماخر الإجابة عنه في كتابه “مناجاة النفس” عام 1800م.
يُعد من أبرز العلماء في مجال الهرمنوطيقا، أي علم التأويل أو ما يُسمي التفسيرية، وهي مدرسة فلسفية تشير إلى تطور دراسة نظرية التفسير، وفن دراسة النصوص وفهمها في فقه اللغة واللاهوت والنقد الأدبي. ويُستخدم مصطلح “هرمنوطيقا” في الدراسات الدينية للدلالة على دراسة النصوص الدينية وتفسيرها. وفي الفلسفة، هي المبدأ المثالي الذي به تكون الحقائق الاجتماعية رموزًا أو نصوصًا، والتي يجب أن تُفسر بدل وصفها أو إيضاحها.
يُطلق على شليرماخر لقب “أبو النظرية الليبرالية” والتي ادّعى فيها أن التجربة الدينية كانت استبطانية (أو باطنة)، وأن الفهم الأصح للذات الإلهية يقف على الإحساس بالاتكال عليه. كما تُسمى أحيانًا باللاهوت التحرري، وهو مصطلح يشمل عمومًا الكثير من الحركات الفلسفية الدينية المسيحية التي ظهرت أواخر القرن الثامن عشر، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين. وكلمة “الليبرالية” هنا لا تدل على حركة سياسية، بل على حرية الجدل العملي في المسيحية، والمرتبط بفروع الفلسفة الدينية المختلفة، وقد نما وتطور إبان عصر التنوير.

صور

اضافة صورة وتعليق

كن أول من يكتب مشاركة "فردريك شليرماخر"